الجمعة، 23 أكتوبر 2015

أورشليم فى زمن داود وفى عصر سليمان



خريطة لمدينة أورشليم فى زمان داود وتبدو أسوار المدينة القديمة وقد تداخلت فيما بعد مع مدينة داود التى كانت على جبل يبوس وهى فى الخريطة من أسفل .

معنى أورشليم فى اللغة لا يزال غير مؤكدآ ففى العبرانية ذاتها لدينا صيغتين:-
ירושלים يروساليم أو بنطق أهل الجنوب يروشاليم وتعنى "نبع السلام" وفى رأى علـــــماء آخرين تعنى "مكان السلام"*10.
ولكن كان هناك مدينة قديمة بالقرب من مكانها ومذكورة فى سفر التكوين الأصحاح الرابع عشر تـلك التى كان يملك فيها ملكى صادق الملك والكاهن فى زمان إبراهيم وكان إسـمها
שלם أى سلـِم أو شـلِم وكانت أطلالها ضمن المنطقة التى آلت لسبط يهوذا عند تقسيم زمام الأرض فى زمن يشوع بن نـون، والكلمة تعنى سلام،وإضافة المقطع ירו ( يورو) ومعناه"بانى"أو"مؤسس"أو"مُشَّيد"فتكون الكلمة هى ירושלם يروسالم أو بنطق أهل الجنوب يروشالم بمعنى "بانى السلام" أو "مؤسس السلام" .
وقيل أن إبراهيم هو من أطلق عليها هذا الإسم بعد عودته من الحرب التى حرر فيها إبن أخيه لـــــوط سالمآ وقد حقق السلام .

أما الإسم فى اليونانية فيضيف لهذا الإسم معنى جديدآ فهو فى اليونانية
Ιερουσαλημ (إيروساليم) والكـلمة فى اللغة اليونانية تتكون من مقطعين هما Ιερου(ς) ( إيرو"س")ومعناه "مقـــــــــدس" ، (σαλημο(ς  (ساليمو"س") ومعناها "السلام" فيكون معنى الإسم هو " السلام المقدس"*11.
ومن اليونانية إنتقل المعنى إلى اللاتينية ونجد تأثير هذا فى كتابات"بلينى
"Pliny و"بوليبـــــــيوس Polybius "*12 .
ولقد ذُكِرَت أورشليم فى سفر إشعياء 52 : 1 بوصفها"المدينة المقدسة"وهى بهذا المـــــعنى تقترب كثيرآ من معناها فى اللغة اليونانية،فالكلمة العبرانية المستخدمة لوصف المدينة فى سفر إشــــــــعياء هى
הקדש "هاقُدِش"وهى صفة القدسية التى تطلق على مكان العبادة أو المكان المــــــــــــــختار أو المخصص أو الطاهر أو الجليل أو المُنتَقى، كل هذه المعانى تجدها فى الكلمة العبرانية التى إستخدمها إشعياء النبى، وربما كان السبب الذى دعاه لإطلاق هذه التسمية عليها،هو لأن فيها الـــــــــهيكل وهو קדש " قُدُش" أى مقدس.
ومن الواضح أن التسمية العربية " القدس " قد تأثرت فى نشــــــــأتها بتلك المعانى التى سادت إبان العصر الهيلينستى الذى يعتمد على اللغة اليونانية ، فقد كانت أورشليم فى فكر سكانها المـــــــــحليين تسمية تعكس معنى القدسية والقداسة بسبب وجود هيكل سليمان السابق والذى حطمه الإمــــبراطور "تيطس" .
لكن لأن المُفترض فى الفكر الموسوى أن بيت الله على الأرض هو مثال للبيت الأكمل الذى أظهره الله لموسى بقصد عمل نموذج له على الأرض،فإن القدس أو أورشليم يتذكرها العبرانيون من أمــــــــثال الرسول بولس ويوحنا عندما يصفون المدينة السماوية بأنها"أورشليم السماوية"فهى تُمَثِلُ فــــــــى خاطرهم كيان المدينة الكاملة(راجع عبرانيين 12 : 22 ، رؤيا يوحنا اللاهوتى 3 : 12 ، 21 : 2 ).
وتُعتَبَرُ أورشليم من أشهر المدن على المستوى العالمى،ويُؤَرَخ لها بداية من القرن الثانى قبـــــــــــل الميلاد – على الأقل- وتُعتَبَرُ اليوم من أشهر الأماكن الدينية المقدسة لأصحاب مختـــــــــــلف الديانات اليهودية فالمسيحية فالإسلام،وهى مُقَامة على"مرتفعات يهوذا"على إرتفاع 2500 قدم أى حـــوالى 762 مترآ تقريبآعن سطح البحر ويقع البحر المتوسط غربها بمسافة تبلغ 47 كيلومترتقريبآ بيــنما يقع البحر الميت شرقها بمسافة 32 كيلومتر تقريبآ.
وتنحدر"أورشليم"تجاه الجنوب الشرقى،ومن الجهة الشرقية لها نجد"جبل الزيتون"وفى الشـــــمال ثلاث منحدرات ترتبط ب"وادى سلوام"، بالقرب من"بئر أيوب"وهو يقع جنوب شرق المـــــــدينة ، وأما الوادى الشرقى فهو"وادى قدرون"والوادى الغربى هو وادى"الربابى"وربما كان مرتبـــــــــطآ ب"وادى هنوم" فى يوم من الأيام ، والمنحدر الثالث يقسم المدينة إلى قسمين وهو يتجه جنوبآ بميل لجهة الجنوب الشرقى لكى يلتقى بالمنحدرين السابقين وهو معروف حاليآ بإســـــــــــــــــــــــم"وادى تروبويون
"Tropoeon أو"وادى صُنَّاع الجُبن Cheese makers"، وقد حدث إرتفاع مفاجـــىء فى منتصف وادى تروبويون قسَّم المدينة إلى جانبين ، شرقى ، وغربى علمآ بأن كل قســـــــــم يمكن قسمته إلى جزء شمالى وآخر جنوبى ( راجع الخريطة صفحة 22 )*13.
ومن المهم أن نعرف أن المرتفعات والمنخفضات تغيرت على مر القرون بسبب عوامل طبـــــــــــيعية وعوامل بشرية مثل محاولات الردم للمنحدرات بالأتربة ، بالإضافة لعوامل التعرية والزلازل والتى قد تصل تلك الإضافات إلى إرتفاع 100 قدم أى حوالى أكثر من 30 متر ، والـتاريخ يسجل ما قــــــام به الرومان من عمليات للردم لتعبيد الطرق لأغراض الدفاع فى هذه المنطقة .
ولقد كانت هناك مشكلة أساسية تواجه القدماء،ولا تزال هذه المشكلة قائمة حتى اليوم ، وهـى أنه لا يوجد هناك مصادر للمياه سوى"بئر أيوب"و"نبع عين العذراء "Virginal Spring وهــــــــى ترتبط ببركة سلوام بالإضافى إلى "بيثيدية "Bethsedia أى"بيت حسدا"( وهى موجوده أســــــفل يمين الخريطه)التى كانت فى زمان العهد الجديد وهى حاليآ بركة "ماميلا Mamilla Pool" لكــــن كل هذه الينابيع ليست مياهآ جوفية مُتَجَدِدَة المصدر،ولكنها مناطق تتجمع فيها مياه الأمطار،لذلـــــــك فكمية الماء الموجود فيها يتوقف على كمية المطر وهى كمية متذبذبة من عام لآخر *14.

ويقع"بئر أيوب"( وهو أسفل الخريطة جهة اليسار كجزء من بركة سلـــــوام  
Pool of Siloam ) جنوب شــــــرق المدينة وتقع"عين العذراء"شمالها وهى المنطقة التى تقع جــــنوب الهيكل ، وبذلك يكون الجزء الجنوبى الشرقى فقط من أورشليم هو الذى يتمتع بإمدادات للمياه ( راجع الخريطـــة فى هذه الصفحة) .
وكانت أورشليم فى منتصف الألف الثانية قبل الميلاد تحت سلطان المصريين،واسمها هذا هو ثابــــت فى"خطابات تل العمارنة"وربما كان يُشَارُ إليها بوصفها الأرض التى على"جبل المُرَيا".
وليس من الثابت أن"أورشليم"كانت هى نفسها"شاليم"التى تحدث عنها سفر التكوين الأصـــــــحاح الرابع عشر،وهى المدينة التى كان ملكها وكاهنها هو ملكى صادق،الذى كان فى عهد إبراهــــــيم كما سبق وعرضنا.
وعند دخول بنو إسرائيل إلى أرض كنعان كانت أورشليم فى يد"اليبوسيين"وكان ملكهم هو"أدونــى بازق"الذى حارب بنى إسرائيل،وبالرغم من إنتصارهم عليه(على يد يشوع)إلا أن القلعة ظلــــــت فى أيدى اليبوسيين،فكان الإنتصار يعنى الإخضاع ولكن لم يكن يعنى طردهم من الأرض.
راجع قضاة 1 : 8 ، 21
 
8وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا أُورُشَلِيمَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَشْعَلُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ.
21وَبَنُو بَنْيَامِينَ لَمْ يَطْرُدُوا الْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، فَسَكَنَ الْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي بَنْيَامِينَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
أما يهوذا فقد تملك الأراضى التى كانت على مقربة من أورشليم،وكان بنو بنيامين تحيط مساكنهم من خارج أسوار القلعة الخارجية،وكانت هذه هى الحالة التى كانت عليها أورشليم أيام داود الملك الـــذى كانت عاصمة مملكته"حبرون"فى الجنوب قليلآ من"أورشليم"وكانت ضمن نصيب سبط يهوذا.
وبعد سبعة أعوام طمح فى نقل عاصمة مملكته إلى"أورشليم"ليس فقط بسبب أهميتها الحربية كقلعة فوق الجبل ، ولكن بغرض سياسى آخر وهو أن تنتقل العاصمة إلى موقع مشترك لسبط يهوذا وســبط بنيامين ، تمهيدآ لحكم كل الأسباط فيما بعد ، وكانت أورشليم هى المكان المحايد الذى يصلح لـــــــهذا الغرض، وقد كانت القلعة محصنة مما جعل اليبوسيين يشعرون بالأمان طيلة كل تلك الفترة التاريخية التى مرت عليهم ، حتى فى ظل حكم بنى إسرائيل خارج الأسوار، لكن رجال داود إســــــــــتطاعوا أن يدبروا دخولآ مباغتآ للقلعة لم يكن يتوقعه اليبوسيون راجع صموئيل الثانى 5 : 6 – 8
6وَذَهَبَ الْمَلِكُ وَرِجَالُهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانِ الأَرْضِ. فَكَلَّمُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لاَ تَدْخـُلْ إِلَى هُنَا، مَا لَمْ تَنْزِعِ الْعُمْيَانَ وَالْعُرْجَ». أَيْ لاَ يَدْخُلُ دَاوُدُ إِلَى هُنَا. 7وَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَـــدِينَةُ دَاوُدَ. 8وَقَالَ دَاوُدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «إِنَّ الَّذِي يَضْرِبُ الْيَبُوسِيِّينَ وَيَبْلُغُ إِلَى الْقَنَاةِ وَالْعُرْجِ وَالْعُــــــــــــمْيِ الْمُبْغَضِينَ مِنْ نَفْسِ دَاوُدَ». لِذلِكَ يَقُولُونَ: «لاَ يَدْخُلِ الْبَيْتَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجُ».
وفى هذا النص المشار إليه نجد أن هناك إسمآ ثالثآ لأورشليم وهو"صـهيون"فيصير لدينا أســــــماء ثلاث: أورشليم – القدس – صهيون ، لكن أحد الدارسين للعهد القديم وهو "فنسنت
*15"Vincent وهو يرى أن هذا الإسم كان مجرد وصف لجدران القلعة،وليس إسمآ للتل أو الأرض،وجــــدير بالذكر أن معنى هذا الإسم فى العبرية هو"الأرض الجافة"أو"الخالية من الماء".
وبعد إستيلاء داود على القلعة قام بترميمها وبنى لنفسه قصرآ داخل أورشليم،واســــتحضر تابوت العهد وجعله داخل العاصمة،وبنى سليمان إبنه هيكلآ وقصرآ داخل المدينة،فصارت المدينة عاصـــمة للملكة الجنوبية أوائل حكم داود،ثم لم تلبث أن صارت عاصمة لكل إسرائيل فى عهد داود وفى عــــهد سليمان فترة لا تتجاوز 73 سنة،بدأت بحكم داود لكل إسرائيل 33 سنة،وحكم سليمان 40 سنة،ثــــم إنقسمت المملكة بعد سليمان وصارت أورشليم عاصمة للملكة الجنوبية التى كانت تضم سبـــطين من جملة 12 سبط ،وهما سبط يهوذا وسبط بنيامين .
 وقد دخل "شيشنق الأول" فر عون مصر المـُلـَقب فى العهد القديم ب "شيشق" الذى كان نسيبآ لسليمان إلى أورشليم فى عهد أول ملك خَـــــــَلَف سليمان أى"رحبعام"واستولى على بعض النفائس التى فى الهيكل حوالى عام 925 ق. م ،لكن منذ زمان فتح داود للمديــــنة أُطلــِقَ عليها إسمآ رائعآ وهو"مدينة داود".
ويعتبرمركز هذه المدينة التل الجنوبى الشرقى فيها وهو المكان الذى يقع جنوب منطقة هيكل سليمان الذى يقع فى الجزء الشمالى من المدينة ، وهذا ينطبق على وصـــــف الــــــــــكتاب وعـــــلى كـتابات "يوسيفوس"المؤرخ اليهودى بشأنها.
وهناك حقيقتان هامتان :
أولهما: أن المدينة الأصلية قريبة من حائط الجنوب الشرقى لأورشليم الحديثة .
وتانيهما: هى أنه يجب ألا نخلط بين صهيون القديمة وما هو معروف حاليآ بإسم"جبل صــــــهيون" وهذه الحقيقة هى التى أثبتها علماء الآثار والباحثين خلال بعثاتهم فى القرن الماضى فهى ليـــــــست منطقة الهيكل .
ففى زمن السلام قبل إحتلال داود للمدينة كان من الممكن أن يبنى بعض الناس بيوتآ خارج أســــــوار المدينة،وهكذا كان يفعل سبط بنيامين،ولكن بناءهم للبيوت لم يكن متوزعآ بطريقة مثالية،فــــــقد كان الناس يتكدسون عند بنائهم على جانب بينما لا يفضلون البناء أو التكدس على جانب آخر وقــــــــــــد




نستطيع أن ندرك سر هذا التكدس وقد لا نستطيع،وفى هذه الحالة يفضل السكان بناء جدار أو ســـور جديد ثانى لهم خارج السور الأصلى الذى كان موجودآ من قبل وبالطبع لا نستطيع أن نتصور مــــدى
إمكانية موازاته للسور القديم تمامآ،وهكذا كان يحدث من عصر إلى عصر،بالإضافة لإمـــــكانية تهدم جدار وبناء آخر مكانه أو ربما خارح مكانه الأصلى أو داخله.
كل ذلك يشكل صعوبة لتحديد المواقع بالضبط التى كان يتحدث عنها الكتاب،فـــهناك على سبيل المثال آثار لسور قديم فى بركة سلوام ذاتها،ومـن المفترض أن يكون الهيكل مكانه شمال تلك الأسـوار،وإذا نظرت إلى الخريطة فى صفحة 23 ستجد أن الأسوار المبنية فى العصر الهيلينستى الســــــــــــــــابق والمعاصر والتالى للميلاد قد إتجهت للغرب قليلآ ومن الجنوب كثيرآ، بينما لم تمتد شرقآ بســــــــــبب الإنحدار المفاجىء والذى حال دون التوسع العمرانى خارجه فى ذلك الحين وهكذا .....
---------*10 B.Davidson,The Analytical Hebrew&Chaldee Lexicon,
*11 T.S.Green,Greek&English Lexicon
*12 W.O.E.Oesterleyand T.H.Robinson,A History of Israel,Vol II
*13 H.M.Orlinsky,Ancient Israel,1954

*14 G,Ricotti,History of Israel,1955
*15 ـJ . Bright, A History of Israel ,1960



المملكة الإسرائيلية الموحدة تحت حكم الملك داود والملك سليمان

                          
مملكة إسرائيل أيام حكم الملك داود والملك سليمان وصورة الحدود التى تمت فيما بعد
تقسيم المملكة من بعدهم


يُعتَبَرُ داود أنَّه هو الرجل الذى تمكن من القضاء على سلطة الفلســطينيين على شعب بنى إسرائــيل ، بينما يُعتَبَرُ سليمان هو الرجل الذى ساد السلام فى عصره وإتسعت ممـلكته إلى أقصى إتســــــــــاعها بإتباع طرق سياسية وأنماط إقتصاديه غير مسبوقه عند أمته .
ولقد حارب داود فى البداية تحت لواء شاول الملك ، بل صار من أهم قادته العســـــــــــــــــكريين ضد الفلسطينيين ، ولكن بعد موت شاول وبعد عدة مناوشات حدثت بينه وبين داود بإعتبار شاول مـــــلكآ صوريآ مخلوعآ وبإعتباره (أى داود) الملك الفعلى بموجب مسحة بمسحة المــــلوك على يد صموئيل النبى الذى كانت تصرفاته تحظى بالمصداقية لدى عامة أفراد الشعب(راجع صموئيل الأول 16 : 1 –13 )
1فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ،وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْــلأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا». 2فَقَـــــــــالَ صَمُوئِيـلُ: «كَيْفَ أَذْهَبُ؟ إِنْ سَمِعَ شَاوُلُ يَقْتُلْنِي». فَقَالَ الرَّبُّ: «خُذْ بِيَدِكَ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ وَقُلْ: قَدْ جِئْتُ لأَذْبَـــــــحَ لِلرَّبِّ. 3وَادْعُ يَسَّى إِلَى الذَّبِيحَةِ، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ مَاذَا تَصْنَعُ. وَامْسَحْ لِيَ الَّذِي أَقُولُ لَـــــكَ عَنْهُ». 4فَـــــفَعَلَ صَمُوئِيلُ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَارْتَعَدَ شُيُوخُ الْمَدِينَةِ عِنْدَ اسْــــتِقْبَالِهِ وَقَالُوا: «أَسَـــــلاَمٌ مَجِيئُكَ؟» 5فَقَالَ: «سَلاَمٌ. قَدْ جِئْتُ لأَذْبَحَ لِلرَّبِّ. تَقَدَّسُــــــــوا وَتَـــــعَالَوْا مَعِي إِلَى الذَّبِيحَةِ» . وَقَـــــدَّسَ يَسَّى وَبَنِيهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الذَّبِيحَةِ. 6وَكَانَ لَمَّا جَاءُوا أَنَّهُ رَأَى أَلِيآبَ، فَقَالَ: «إِنَّ أَمَامَ الرَّبِّ مَسِيحَهُ». 7فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْــــــــــــــظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ».
8فَدَعَا يَسَّى أَبِينَادَابَ وَعَبَّرَهُ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَالَ: «وَهذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ الرَّبُّ». 9وَعَبَّرَ يَســـــَّى شَمَّةَ، فَقَالَ: «وَهذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ الرَّبُّ». 10وَعَبَّرَ يَسَّى بَنِيهِ السَّبْعَةَ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَــــالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «الرَّبُّ لَمْ يَخْتَرْ هؤُلاَءِ». 11وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «هَلْ كَمُلُوا الْغِلْمَانُ؟» فَقَالَ: «بَقِيَ بَعْدُ الصّـــــــــَغِيرُ وَهُوَذَا يَرْعَى الْغَنَمَ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «أَرْسِلْ وَأْتِ بِهِ، لأَنَّنَا لاَ نَجْلِـــــسُ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى ههُنَا». 12فَأَرْسَلَ وَأَتَى بِهِ. وَكَانَ أَشْقَرَ مَعَ حَلاَوَةِ الْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. فَقـــــَالَ الرَّبُّ: «قُمِ امْسَحْهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ». 13فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَــلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذلِـــــــكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى الرَّامَةِ.
وبموت شاول صار داود ملكآ على يهوذا(فى الجنوب)فى"حبرون"لمدة عامين حوالى عام 1010 (أو) 1011 ق.م إلى 970 (أو) 971 ق.م ثم إنضم باقى الأسباط ليكونوا تحت لواءه .
وفى سلسلة من الأعمال العظيمة التى قام بها ضد الفلسطينيين وهى لا تخلوا من المكر والدهـــــــــاء السياسى والعسكرى تمكن من إرساء دعائم مملكته.
وفى السنة السابعة من مُلكِهِ سيطر على"اورشليم"بعدما قام بشراء أرض"أرونــــة اليبوسى" وكان من الواضح أنه رغم خضوع البلاد تحت حكم الملك الذى ينتمى لبنى إسرائيل إلا أنه كانت هناك أمــمآ أخرى لها ملكيات خاصة ثابتة ومُعتَرَف بها حتى من الملك راجع الثانى 24 : 18 – 25 " 18فَجـــَاءَ جَادُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحًا فِي بَيْدَرِ أَرُونَــــــةَ الْيَبُوسِيِّ». 19فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. 20فَتَطَلَّعَ أَرُونَةُ وَرَأَى الْمَلِكَ وَعَبِــــــيدَهُ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ أَرُونَةُ وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 21وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَـــــــاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟» فَقَـــالَ دَاوُدُ: «لأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ لأَبْنِيَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَـنِ الشَّعْبِ». 22فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: «فَلْيَأْخُذْهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ وَيُصْعِدْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. اَلْبَـــقَرُ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجُ وَأَدَوَاتُ الْبَــــقَرِ حَطَبًا». 23اَلْكُلُّ دَفَعَهُ أَرُونَةُ الْمَالِكُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ أَرُونَـــــــةُ لِلْمَلِكِ: «الرَّبُّ إِلهُكَ يَرْضَى عَنْكَ». 24فَقَالَ الْمَلِكُ لأَرُونَةَ: «لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْــعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً». فَاشْـــتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِخَمْسِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ. 25وَبَـنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَأَصْـــــــــــعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.
" .
وبتملكه تلك الأرض بدأ فى إنشاء قصره أو بيته وكان مزمعآ أن يبنى هيكلآ لله"يهوه"إلا أن نيته لم تلاقى قبولآ من الله ، بل وعد بتحقيق تلك الأمنية على يد سليمان خليفته وابنه .
ولكنه كان هو الذى تمكن من إرجاع تابوت العهد الذى كان قد أخذه الفلسـطينيون إلى خيمة الإجتماع بعد أن كان الفلسطينيون قد قاموا بتدميرها من قبل .
وبعد فرض السيادة الإسرائيلية على"كنعان"أقام داود إمبراطوريته العظيمة التى كانت تقع بيــــــــن كيانين سياسيين وعسكريين كبيرين هما"مملكة مصر الفرعونية"،و"ممالك بلاد ما بــين النهرين" كآشور وبابل .
والذى ساعده على إنشاء المملكة وإستقرارها بين هذين الكيانين هــــــو: لأنه فى زمنه وفى زمــــن سليمان ابنه كانت هناك مشاكل داخلية يعانى منها ملوك هذين الكيانين بحيث كانا مُنصَرِفَيــــــــــــــن ومُستَغرِقَين فيها .
ففى مصر حدث إنقسام لوراثة عرش رمسيس الحادى عشرفأقامت عائلة"سمندس"فى "تانيــــس" وكانت تحــتفظ بنفس إشارات الفرعون وإقتسمتها مع الأسرة الأخرى وهى وريـــــثة عرش رمسيس الحادى عشر وكانت الأسرة"الحادية والعشرون"1085 –945ق.م بحـــــكم "سمندس"فى"تانيس حريــحور"والأخرى فى"طيــــــــبه"من عام 1085 – 1054 ق.م  ثم "سوسينيس"فى"تانيـــــس بينزم" فى "طيبه"1054 – 1009 ثم "أمنحــــأويت" فى "تانـــيس" – 1000 ق.م ثم"ســـــــى آمون" فى"تانيس"من عام 1000 – 984 ق.م.
 ثم "سوسينيس الثانى"فى"تانيس"984 – 950 ق.م وكان هو كاهن طيبة وهو الذى لم تكن لديـه المهارة العسكرية والسياسية لإدارة دفة الأمور فى مملكته فتمكن "شيشنق الأمازيــــغى" الليبى من إزاحته عن الحكم وبدأ حكم الأسرة الثانية والعشرون من عام945 ق.م التــــــــى بدأ بها"شيشــــنق الأول"نسيب سليمان"والذى جرى فى عهده أكثر من إحتكاك بملوك إســرائيل حتى نهاية هذه الأسرة الليبية الأمازيغية حوالى عام912 ق.م  وقد كانت كما يلى :
"شيشنق الأول"950 – 929 ق.م وخلفه "أورسوركون الأول" 929-893 ق. م ثم "تكـــــــلوت الأول"893 – 870ق. م ، ثم"أورسوركون الثانى"870 –  847 ق. م ، ثم "شيشـنق الثانى " 847  – 823 ق. م ، ثم "شيشنق الثالث"823 –772 ق. م ، وبعده "بامو"772 – 767 ق. م ، وآخرهم "شيشلق الرابع"767 – 730 ق. م .
وظل هناك خلال هذه الفترة بعـــــض التزامن لحكم أفراد آخرين بصفة "فرعون" فى أمـــــاكن تبعد عن العاصمة .
أما فى بلاد الرافدين فى آشور فقد كان الذى يملك هناك هو الملك "تغلات فلاســــر الأول
*7
" ١١١٥ – ١٠٧٧ ق . م .ق.م إلى سدة الحكم، لتكون هذه الفترة مليئة بالإنجــــــازات العسكرية الكبيرة، حيث تمكن من تحقيق الانتصارات المتوالية في الأصقاع البعيدة،في البـحر الأسـود وسواحل آسيا الصغرى والمدن الفينيقية على الساحل السوري ، هذا بالإضافة إلى اسـتعادة السيطرة على مملكة بابل،وإعادة نقله العاصمة إلى المدينة القديمة"آشور"والعمل على إعــادة بنائها من جديد ، وذلك بعد أن تـوفرت الأموال اللازمة التي كانت تأتي إلى العاصمة من مخـــتلف الأقاليم التي تمت السيطرة عليها.
فالذى أعاد إحياء "بابل" وإهتم بتنمــــــــــية قدراتها الإقتصادية هو "تغلاتفلاســـر الأول" وتصارع "تغلاتفلاسر"مع عدوه"موسكى*8"وهو ينتمى لقبيلة"السوباريين*9"وهى التى كانت تسكن بعيدآ عنه عند بحيرة"فان"التى تقع شمال البحر الأبيض المتوسط ، وقد وفدت إلى هناك عدة جماعات من بيبلوس ومن صيدون وأرفاد( بالميرا)وبذل جهدآ فائقآ فى محاولة إخضاع الأرمن وأثناء إنشغاله بكل هذه المهام كانت تلك الفترة سانحة ل"داود"و"سليمان"الــــملك لإسـتقرار ملكهما دون الصراع مع الجيش الأرامى.
أما فى بابل

فقد دمر"الحيثيون"بابل عام 1595 ق.م. ثم حكمها"الكاشانيون"عام 1517 ق.م. ولكن في العـــام 1155 ق. م هاجمت عيلام منطقة بابل ودخلت مدينة بابل نفسها ودمرتها – بعد تعافيـــــــها فترة من الزمان – ونهبتها، ومـــن المنهوبات كانت مسلة شريعة حمورابي الشـــــهيرة التي وضعت في مدينة "سوسة"عاصمتهم في الـعام 1137 ق.م.
ولكن عندما تمكن"نبوخذ نصر الأول"ملك مدينة إيسن من إقصاء الحكام الكاشـــــــــيين وتنصـــــيب سلالة إيسن الثانية حكامآ على البابلية، قام بمحاربة عيلام ودمر مدينة سوسه واعاد مسلة حمورابي إلى بابل، ولكنه أثناء محاولاته أن يوسع نفوذ بابل كانت الدولة الأشوريه تراقبه وأحست بخطـــورته
فتعمدت تثبيط تلك المحاولات،مع أنه لم تحصل مواجهة مـباشرة بين الدولتيين،لكن سرعان ما ضمت الدولة الآشورية"بابل"ولم تدمرها ولم تمس المـعابد حـــتى لا يعُتبر هذا تدنيسآ للمقدسات.
---
 كما زوّج "شولـــــمانو-أشــارند" الثالث ابنه "شمـــــشي- اداد الخامس" من الأميرة البابلـــــية "شمـيرومات" المعروفة تحت اسم "سميراميس" التي حكــــــمت بعد موت زوجها الدولة الآشورية لمدة أربع سنوات.ثم إستولى على بابل ذاتها الآشوريين كما سبق وتحدثنا. 
وهكذا فقد كان كل أعداء مملكة إسرائيل الطبيعيين الأقوياء فى شغل شاغل بهمومهم .
لقد سلم داود مملكته لإبنه سليمان وهو فى حياته وأجلسه على كرسى المملكة وأوصـــــــاه بما يجعل مملكته مستقرة ومات قرير العين بعدما إستتب الأمن فى مملكته،وأمضى داود حـوالى 40 سنة كملك لبنى إسرائيل من حوالى عام 1010 -970 ق . م .
وإستهل سليمان حكمه بإستعارة النظم الحضارية التى تمتعت بها الأمم والممالك العـــظيمة التى مِــن حوله،فقام بتشييد القصور،وبنى الهيكل،ونقل إليه تابوت العهد،وعمل على تقــــسيم مملكته إلى 12 قسمآ إداريآ(مثل المحافظات)لتسهيل المتابعة وإمساك الزمام بكافة المـــــــــناطق داخل مملكته بعدالة وكفاية كاملة،بذلك حل تقسيمه هذا مكان أو محل التقســــــــــيم الذى كان فى أيام يشوع والقضاة،فقد كان هذا التقسيم مقصودآ به التقسيم على الأسباط،بينما كان تقـســــــــــيمه الحديث مبنيآ على التعداد للبشر،وثروات البلاد لتنظيم الضريبة التى كان يجمعها،فكان يشـابه التقسيم القديم من حيث إنتماءاته للأسباط،ولكن بتعديل طفيف فيها ليضفى عليها طابع العدالة، كما إهتم بالفنون والآداب،وبناء السفن ،وأشاد الجانب الحضارى لهذه الأمة ولكن كان عيــب نظامه أنه كان ممتلئآ بالأسرار التى يتعذر على غيره أن يقوم بتلك المهمة كملك،وبالفعل حــدث الإنقسام بعد وفاته حوالى عام 930 ق . م،فانقسمت المملكة إلى المملكة الجنوبية أو ممــلكة "يهوذا"وهى تدين بالولاء لكرسى داود ونسله وتضم سبطا "يهوذا"و"بنيامين"والمملكة الشمالية وهى تضم عشرة أسباط وهى مملكة الشمال أو " ممــــــلكة إسرائيل".
-------Tiglath  - Pileser I *7        Muski *8   
Subarian *9                            
















الإستقرار فى كنعان


                         



أسوار أريحا بعدما إبتلعتها الأرض أيام يشوع وقد كشفت عنها البعثات الأثرية خلال القرن الماضى ويبدو سمك حائط السورأكثر من مترين ( قارنه بطول الرجل القريب منه) وقصة إبتلاع الأرض للسور موجودة فى سفر يشوع الأصحاح السادس
لقد حدث بعد عبور الشعب لنهر الأردن أنهم وجدوا أنفسهم غرب الأردن مـقابل أريحــــــا،وهنا حالت أسوار أريحا دون تقدم هذا الشعب الذى لم يكن حاملآ معه أى أدوات أو الات أو مهمات حربية مــــما يؤهلهم لمجابهة هذا التحدى .
ولكن أسوار أريحا تهدمت وحصونها تم تدميرها،كما كشـــفت الأثار عن ذلك فقد إبتلـــــــــعت الأرض حوائط الأسوار بكاملها فى باطن الأرض فانكشفت أريحا بدون أى ساتر لها وكشف الأثريـــــــون عن بقايا هذا السور وقاموا بعمل دراسات عن تاريخ بناءه وإبتلاع الأرض له والمحاولات التى حدثــــــت لمحاولة إعادة بنائه
*5 ،وهكذا بدأ دخول شعب بنى إسرائيل إلى أرض كنعان،فظلوا يســــتولون على الحصون،حصنآ تلو الآخر على هذا الجانب الشرقى من أرض كنعان.
ومن الظاهر أن المصريين لم تكن تطلعاتهم – فى هذا الوقت- تصل إلى هذا الموقع من أرض كنـعان، فقد كان للمصريين فى أوقات أخرى وجودآ عسكريآ وسياسيآ فى هذا المكان فى زمن آخر،فـقد قـاموا بمساعدة الآراميين على غزو بنى إسرائيل،رغم أن إمدادهم للآراميين بالعتاد والأســلحة لم تكن عـبر هذا الجانب الغربى من نهر الأردن،ولكن عبر المصريون من قبل هذا الطريق وأعدوه على الجانـــــب الشرقى وبذلك كان هذا الطريق مهيئآ لكى يعبر منه الشعب مع" يشوع" أى عبر"الطريق الملـــكى" كما أُطلِقَ عليه منذ أيام عبور المصريين خلاله لإمداد الآراميين بالسلاح بوصفهم حلفاء لهم وكـــــان هذا حوالى عام 1190 ق . م ، وهكذا لم يعبر الشعب لأرض فلسطين من خلال المرور على أريـــــحا التى توجد على الجانب الغربى من نهر الأردن ،وكان هذا من حسن حظ الإسرائيليين فى تلك الآونة
.
--وقد بذل ملوك خمسة مدن هى أورشليم – حبرون – يرموت – لخيش – عجلون محاولات مستـــميتة لكى يستمر سلطانهم على بلادهم المُحَــصَّنة،وحتى يحولوا دون تقدم هذا الشعب لغزو بلادهم حـــيـث 
كان الإسرائيليون يتوغلون صوب الجنوب من نفطة إرتكازهم إلى الوسط حيث جبعون والأربـــع مدن وكانوا قد أتموا تدمير تلك المواقع الخمس تمامآ قبل عبورهم إلى بيت حورون فصار الطريـــــــق إلى الجنوب مفتوحآ أمام هؤلاء الغزاة .



خريطة لأريحا توضح تطور خط سير بنى إسرائيل ومناطق صراعاتهم المرسوم عليها نجمه

ويذكر الكتاب قصة رجم الله للكنعانيين بحجارة البَرَد وهى حبيبات الثلج فى يشوع 10 : 11 وهـــــى فيما يُعتَقد أصل أسطورة الطير الذى رمى بعضهم بحجارة السِجِيل أى الطين المذكورة فى التـــــــراث الإسلامى،وهذه القصة وردت فى يشوع 10 :  11 "وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ وَهُـــــمْ فِي مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ، رَمَاهُمُ الرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. وَالَّذِينَ مَاتُــــــــــــوا بِحِجَارَةِ الْبَرَدِ هُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ" .
 وهكذا كانت قوة حصونهم الأسطورية غير قادرة على إعاقة بنو إسرائيل طويلآ،بل كان البعض منها ينفتح بسرعة ، وبذلك صار الوسط والجنوب كما كان الشمال بالنسبة لهم حتى الجليل وسهل يزرعيل كله فى قبضة بنى إسرائيل .
وليست هذه القصة فقط ( قصة حجارة البَرَد) هى التى نُسِجَت على شاكلتها قصة فى التراث الإسلامى  بل هناك كذلك قصة أهل الكهف بما يقطع بإنتشار وجود سفر يشوع فى ثقافة تلك المنــــــــــطقة التى إهتمت بنسج الأساطير على منوالها .
 وقصة أهل الكهف تقول فى قصتها الأصلية أن الخمسة الملوك الكنعانيون إختبأوا فى مغــــــــارة فى منطقة"مقيدة"ولما علم يشوع بذلك أمر الشعب بدحرجة الحجارة العظيمة لسد فتـــحة المغارة لأجــل حفظهم محبوسين إلى حين إنتهاء الصراع المسلح،وعندما تم حسم ذلك الصراع لصالح بنى إسرائيل ،عادوا إلى المغارة،وأخرجوا الملوك،ثم أذلوهم،وقتلوهم،وعلقوهم على خمس خشبات حتـى المــساء ثم قاموا بدفنهم فى نفس المغارة 0(راجع يشوع 10 : 15 – 27 )
15ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى الْمَحَلَّةِ فِي الْجِلْجَالِ. 16فَهَرَبَ أُولئِكَ الْخَمْسَةُ الْمــــــــــــُلُوكِ وَاخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ. 17فَأُخْبِرَ يَشُوعُ وَقيِلَ لَهُ: «قَدْ وُجِدَ الْمُلُوكُ الْخَمْسَةُ مُخْتَبِئِينَ فِي مَــغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ». 18فَقَالَ يَشُوعُ: «دَحْرِجُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً عَلَى فَمِ الْمَغَارَةِ، وَأَقِيمُوا عَلَيْهَا رِجَالاً لأَجْــــــــلِ حِفْظِهِمْ. 19وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَقِفُوا، بَلِ اسْعَوْا وَرَاءَ َعْدَائِكُمْ وَاضْرِبُوا مُؤَخَّرَهُمْ. لاَ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ قَدْ أَسْلَمَهُمْ بِيَدِكُمْ». 20وَلَمَّا انْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ضَرْبِهِمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِـدًّا حَتَّى فَنُوا، وَالشَّرَدُ الَّذِينَ شَرَدُوا مِنْهُمْ دَخَلُوا الْمُدُنَ الْمُحَصَّنَةَ. 21رَجَعَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى الْمَــــحَلَّةِ إِلَى يَشُوعَ فِي مَقِّيدَةَ بِسَلاَمٍ. لَمْ يَسُنَّ أَحَدٌ لِسَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. 22فَقَالَ يَشُوعُ: «افْتَحُوا فَمَ الْمـــــــَغَارَةِ وَأَخْرِجُوا إِلَيَّ هؤُلاَءِ الْخَمْسَةَ الْمُلُوكِ مِنَ الْمَغَارَةِ». 23فَفَعَلُوا كَذلِكَ، وَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ أُولئِكَ الْمــــــــــُلُوكَ الْخَمْسَةَ مِنَ الْمَغَارَةِ: مَلِكَ أُورُشَلِيمَ، وَمَلِكَ حَبْرُونَ، وَمَلِكَ يَرْمُوتَ، وَمَلِكَ لَخِيشَ، وَمَلِكَ عَجْلُونَ. 24وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجُوا أُولئِكَ الْمُلُوكَ إِلَى يَشُوعَ أَنَّ يَشُوعَ دَعَا كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لِقُوَّادِ رِجــــــــَالِ الْحَرْبِ الَّذِينَ سَارُوا مَعَهُ: «تَقَدَّمُوا وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى أَعْنَاقِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ». فَتَقَدَّمُوا وَوَضَـــــــعُوا أَرْجُلَهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ. 25فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: «لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِبُوا. تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لأَنَّهُ هكَذَا يَفْعـــَلُ الرَّبُّ بِجَمِيعِ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ تُحَارِبُونَهُمْ». 26وَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ بَعْدَ ذلِكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْــــــــــسِ خَشَبٍ، وَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَى الْخَشَبِ حَتَّى الْمَسَاءِ. 27وَكَانَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنَّ يَشُوعَ أَمَرَ فَأَنْزَلُوهُمْ عَنِ الْخَشَبِ وَطَرَحُوهُمْ فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي اخْتَبَأُوا فِيهَا، وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى فَمِ الْمَغَارةِ حَتَّى إِلَى هذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ.
وتبدو قصة حجارة البَرَدْ وكذلك قصة إختباء الملوك فى المغارة أكثر منطقية من الأساطير التى تــــم نسجها فيما بعد .
لقد أعقب وفاة يشوع حوالى عام 1530 ق . م أن تولى حكم بنو إسرائيل كالب القنزى وهو مــــــــن القنزيون الذين إنتموا لسبط يهوذا ( أى إنضموا لهم وانتسبوا لهم رغم كونهم من الأصل من نـــــسل عيسو راجع الجزء الأول صفحة 100 ) .
وظل بنو إسرائيل فترة طويلة بدون حاكم قوى حتى خضعوا لحكم الموآبيين بقيادة عجـــــــــلون ملك موآب (عجلون هو لقب ملك موآب مثل لقب فرعون لملوك مـصروأبيمالك لملوك الفلســـــطينيين فهو غير "مدينة عجلون" التى كانت فى أيام يشوع بن نون فقد كانت اسمآ لمدينة
*6) حــيث تولى شأن عجلون ( الملك)  إهـود بن جيرا البنيامينى حيث دخل إليه فى قصره بحيلة ، ثم قام بقتله وتمكـن بنو إسرائيل بعد ما إرتفعت روحهم المعنوية بسبب هذا الخبر من تخليص أنفسهم من سلطة الـــــموآبيين وتولى  الحكم بعد تحررهم من الموآبيين .( راجع قضاة3 : 12–30.)
12وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَشَدَّدَ الرَّبُّ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ عَلَى إِسْرَائِــــــــيلَ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 13فَجَمَعَ إِلَيْهِ بَنِي عَمُّونَ وَعَمَالِيقَ، وَسَارَ وَضَرَبَ إِسْرَائــــــــــــِيلَ، وَامْتَلَكُوا مَدِينَةَ النَّخْلِ. 14فَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. 15وَصــــــــــَرَخَ بَنُو
إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ، فَأَقَامَ لَهُمُ الرَّبُّ مُخَلِّصًا إِهُودَ بْنَ جِيرَا الْبَنْيَامِينِيَّ، رَجُلاً أَعْسَرَ. فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ
 بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. 16فَعَمِلَ إِهُودُ لِنَفْسِهِ سَيْفًا، ذَا حَدَّيْنِ طُولُهُ ذِرَاعٌ، وَتَقَلَّدَهُ تَحْــــــتَ ثِيَابِهِ
عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى. 17وَقَدَمَّ الْهَدِيَّةَ لِعِجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. وَكَانَ عِجْلُونُ رَجُلاً سَمِينًا جِدًّا. 18وَكَـــــــانَ لَمَّا انْتَهَى مِنْ تَقْدِيمِ الْهَدِيَّةِ، صَرَفَ الْقَوْمَ حَامِلِي الْهَدِيَّةِ، 19وَأَمَّا هُوَ فَرَجَعَ مِنْ عِنْدِ الْمَنْحُوتَاتِ الَّتــــِي لَدَى
الْجِلْجَالِ وَقَالَ: «لِي كَلاَمُ سِرّ إِلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ». فَقَالَ: «صَهْ». وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ جَمِيعُ الْوَاقِفِينَ لَدَيْهِ.
20فَدَخَلَ إِلَيْهِ إِهُودُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي عُلِّيَّةِ بُرُودٍ كَانَتْ لَهُ وَحْدَهُ. وَقَالَ إِهُودُ: «عِنْدِي كَلاَمُ اللهِ إِلَيْكَ». فَقَامَ عَنِ الْكُرْسِيِّ. 21فَمَدَّ إِهُودُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَأَخَذَ السَّيْفَ عَنْ فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَضَرَبَهُ فِي بَطْنِهِ. 22فَدَخَلَ الْقَائِمُ أَيْضًا وَرَاءَ النَّصْلِ، وَطَبَقَ الشَّحْمُ وَرَاءَ النَّصْلِ لأَنَّهُ لَمْ يَجْذُبِ السَّيْفَ مِنْ بَطْنِهِ. وَخَرَجَ مِنَ الْحِتَارِ. 
23فَخَرَجَ إِهُودُ مِنَ الرِّوَاقِ وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْعِلِّيَّةِ وَرَاءَهُ وَأَقْفَلَهَا. 24وَلَمَّا خَرَجَ، جَاءَ عَبِيدُهُ وَنَـظَرُوا وَإِذَا أَبْوَابُ الْعِلِّيَّةِ مُقْفَلَةٌ، فَقَالُوا: «إِنَّهُ مُغَطّ رِجْلَيْهِ فِي مُخْدَعِ الْبُرُودِ». 25فَلَبِثُوا حَتَّى خَجِلُوا وَإِذَا هُوَ لاَ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْعِلِّيَّةِ. فَأَخَذُوا الْمِفْتَاحَ وَفَتَحُوا وَإِذَا سَيِّدُهُمْ سَاقِطٌ عَلَى الأَرْضِ مَيْتًا. 26وَأَمَّا إِهُودُ فَنَــــجَا، إِذْ هُمْ مَبْهُوتُونَ، وَعَبَرَ الْمَنْحُوتَاتِ وَنَجَا إِلَى سِعِيرَةَ. 27وَكَانَ عِنْدَ مَجِيئِهِ أَنَّهُ ضَرَبَ بِالْبُوقِ فِي جـــَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَنَزَلَ مَعْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْجَبَلِ وَهُوَ قُدَّامَهُمْ. 28وَقَالَ لَهُمُ: «اتْبَعُونِي لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ أَعْـــــــــدَاءَكُمُ الْمُوآبِيِّينَ لِيَدِكُمْ». فَنَزَلُوا وَرَاءَهُ وَأَخَذُوا مَخَاوِضَ الأُرْدُنِّ إِلَى مُوآبَ، وَلَمْ يَدَعُوا أَحَدًا يَعْبُرُ. 29فَضَـرَبُوا مِنْ مُوآبَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ نَحْوَ عَشَرَةِ آلاَفِ رَجُل، كُلَّ نَشِيطٍ، وَكُلَّ ذِي بَأْسٍ، وَلَمْ يَنْجُ أَحَدٌ. 30فَــــــــــذَلَّ الْمُوآبِيُّونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَحْتَ يَدِ إِسْرَائِيلَ. وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ ثَمَانِينَ سَنَةً.
وظل الحال مستقرآ طيلة 80 عامِ تقريبآ ثم عادت الفوضى تدب فى كيان القيادة فاستعــــــــــــــمرهم الفلسطينيون وخلصهم منهم"شمجر بن عناة"فى معركة"قيشون"الشهيرة عندما هاجمهم"يايــين" ملك كنعان ورئيس جيشه"سيسرا"وحدثت مــــعركة "قيشون".
وكانت الأسباط التى إستقرت شمالآ يفصلها عن باقى الأسباط المستقرة فى الوسط بعض الجمــــاعات من الكنعانيين فى وادى يزرعيل وكان وجودهم يمتد غربآ حتى البحر الكبير ( البحر المتوسط حاليآ ) وشرقآ حتى نهر الأردن،وظل وجودهم فى هذه المنطقة حتى بعد إخضاعها للسيطرة الإسرائيلية قائمآ قرابة مائتى عام تالية على تلك الأحداث،وفى أكثر من مناسبة كان يحدث تحالف بين الأســـــباط التى سكنت فى الشمال مع الأسباط التى سكنت فى الوسط لشن الحروب مع الكنعانيون بهـــــدف السيطرة على وادى يزرعيل ولعل قمة هذا التحالف ما حدث أثناء معركة"قيشون"التى يخــبرنا بها الكتاب فى سفر القضاة والتى حدثت حوالى عام 1125 ق . م .
وفى هذا السفر يتحدث عن النصر الذى أحرزه بنو إسرائيل حيث ترنمت"دبورة"بنشـــــيدها الذى وصفت فيه كيف إبتلع هذا النهر مركبات الأعداء(راجع قضاة الأصحاح الرابع والخامس وتســــــجيل الحرب فى ترنيمة دبورة فى قضاة 5 : 12 – 31 )
«اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي يَا دَبُورَةُ! اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي وَتَكَلَّمِي بِنَشِيدٍ! قُمْ يَا بَارَاقُ وَاسْبِ سَبْيَكَ، يَا ابْنَ أَبِينُوعَمَ! 13حِينَئِذٍ تَسَلَّطَ الشَّارِدُ عَلَى عُظَمَاءِ الشَّعْبِ. الرَّبُّ سَلَّطَنِي عَلَى الْجَبَابِرَةِ. 14جَاءَ مِــــنْ أَفْرَايِمَ الَّذِينَ مَقَرُّهُمْ بَيْنَ عَمَالِيقَ، وَبَعْدَكَ بَنْيَامِينُ مَعَ قَوْمِكَ. مِنْ مَاكِيرَ نَزَلَ قُضَاةٌ، وَمِنْ زَبُولُونَ مَاســــــِكُونَ بِقَضِيبِ الْقَائِدِ. 15وَالرُّؤَسَاءُ فِي يَسَّاكَرَ مَعَ دَبُورَةَ. وَكَمَا يَسَّاكَرُ هكَذَا بَارَاقُ. اِنْدَفَعَ إِلَى الْوَادِي وَرَاءَهُ. عَلَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ أَقْضِيَةُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 16لِمَاذَا أَقَمْتَ بَيْنَ الْحَظَائِرِ لِسَمْعِ الصَّفِيرِ لِلْقُطْــــــــعَانِ. لَدَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ مَبَاحِثُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 17جِلْعَادُ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ سَكَنَ. وَدَانُ، لِمَاذَا اسْتَوْطَنَ لَدَى السُّفُنِ؟
وَأَشِيرُ أَقَامَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَفِي فُرَضِهِ سَكَنَ. 18زَبُولُونُ شَعْبٌ أَهَانَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَوْتِ مَعَ نَفْتــــَالِي عَلَى رَوَابِي الْحَقْلِ.19«جَاءَ مُلُوكٌ. حَارَبُوا. حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ فِي تَعْنَكَ عَلَى مِيَاهِ مَجــِدُّو. بِضْعَ فِضَّةٍ لَمْ يَأْخُذُوا. 20مِنَ السَّمَاوَاتِ حَارَبُوا. الْكَوَاكِبُ مِنْ حُبُكِهَا حَارَبَتْ سِيسَرَا. 21نَهْرُ قِيشُونَ جَرَفَهــُمْ. نَهْرُ وَقَائِعَ نَــــهْرُ قِيشُونَ. دُوسِي يَا نَفْسِي بِعِزّ.

22«حِينَئِذٍ ضَرَبَتْ أَعْقَابُ الْخَيْلِ مِنَ السَّوْقِ، سَوْقِ أَقْوِيَائِهِ. 23اِلْعَنُوا مِيرُوزَ قَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ. اِلْعَـــــــنُوا سَاكِنِيهَا لَعْنًا، لأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا لِمَعُونَةِ الرَّبِّ، مَعُونَةِ الرَّبِّ بَيْنَ الْجَبَابِرَةِ. 24تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِـــــــيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ. 25طَلَبَ مَاءً فَأَعْطَتْهُ لَبَنًا. فِي قَصْعَةِ الْعُظَمَاءِ قَدَّمَـــتْ زُبْدَةً. 26مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى الْوَتَدِ، وَيَمِينَهَا إِلَى مِضْرَابِ الْعَمَلَةِ، وَضَرَبَتْ سِيسَرَا وَسَحَقَتْ رَأْسَهُ، شَدَّخَــــتْ وَخَرَّقَتْ صُدْغَهُ. 27بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ، اضْطَجَعَ. بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ. حَيْثُ انْطَرَحَ فَهُنَاكَ سَقَطَ مَقْتُولاً. 28مِنَ الْكُوَّةِ أَشْرَفَتْ وَوَلْوَلَتْ أُمُّ سِيسَرَا مِنَ الشُّبَّاكِ: لِمَاذَا أَبْطَأَتْ مَرْكَبَاتُهُ عَنِ الْمَـــجِيءِ؟ لِمَاذَا تَأَخَّرَتْ خَطَوَاتُ مَرَاكِبِهِ؟ 29فَأَجَابَتْهَا أَحْكَمُ سَيِّدَاتِهَا، بَلْ هِيَ رَدَّتْ جَوَابًا لِنَفْسِهَا: 30أَلَمْ يَجِــــــــدُوا وَيَقْسِمُوا الْغَنِيمَةَ! فَتَاةً أَوْ فَتَاتَيْنِ لِكُلِّ رَجُل! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِسِيسَرَا! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصــــــْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةٍ! ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةِ الْوَجْهَيْنِ غَنِيمَةً لِعُنُقِي! 31هكَذَا يَبِيدُ جَمِيعُ أَعْدَائِكَ يَا رَبُّ. وَأَحِـــــبَّاؤُهُ كَخُرُوجِ الشَّمْسِ فِي جَبَرُوتِهَا». وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
ولكن حتى فى هذه المناسبة نلاحظ أن سكان منطقة عبر الأردن والشماليون من الإسرائيليين ويهوذا كانوا متفككين .
ولقد تذكر بعض تلك الأسباط العهد والميثاق الذى يدعوهم للوحدة التى تمكنهم من هزيمة أعدائــهم ، ومع ذلك كان هذا الإتحاد هشآ ، قليل الحدوث ، يمر بفترات من الضعف تتباعد فيها الأسباط ، ثم يبدأ الشعب فى تقليد الكنعانيون فى عاداتهم ، بل وأحيانآ فى عباداتهم مثل نزوعهم أحيانآ لعبــــــادة البعل وغيره من الآلهة ، وبذلك كانوا يضعفون وينهزمون أمام أعدائهم ، بل وأحيانآ يُستَعبَدون لهم .
فبعدما إستراحت الأرض مدة 40 عامآ تقريبآ بعد معركة قيشون هاجمهم المديانـــــــيون وظلوا تحت العبودية لهم مدة حوالى سبع سنوات حتى أرسل الله لهم جدعون " يربعل" ويظهر من إســــمه مدى تأثر أبوه بعبادة البعل ، بيد أنه عندما إستخدمه الله لتخليص بنى إسرائيل كانت كُنيته أو لقبه جدعون أكثر إستخدامآ من إسمه الحقيقى وهو "يربعل" ( راجع قضاة 7 : 24 – 25 ) .
24فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ. 25وَأَمْسَكُوا أَمِــــــــيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا، وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِــــعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتَوْا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ.
ويتضح من أسماء أمراء المديانيين وهم الشعب المتناسل من إبراهيم من خلال زوجــــــــــته العربية الأخيرة "قطورة" (تكوين 25) أن أسمائهم صارت تعكس اللغة التى تبنوها من خلال الأم فصــــاروا يؤلفون عرب الشمال لشبة الجزيرة العربية فيما بعد(راجع الجزء الأول الصفحات من 83 – 86 ) .
وعندما عبر جدعون نهر الأردن وراء المديانيين لمطاردتهم ، فوجىء بأن أهل ســـــــــــــــــكوت من الإسرائيليين واقعين تحت سيطرة من مديانيين من قبائل أخرى غير قبيلتى غراب وذئــب، وربما كان هؤلاء من الإسماعيليين وليسوا من المديانيين ، لحدوث إختلاط بالنــسب والمصاهرة معهم ، فنهض لتخليصهم منهم ، ومـن هنا بدأ بنو إسرائيل يفكرون فى منح جدعون حكمآ وراثيآ له ولنسله ( راجع قضاة 8 : 22 )
22وَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِجِدْعُونَ: «تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ، لأَنَّكَ قَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ».
ولكنه رفض ذلك ، رغم أنهم فى الواقع غدروا بأسرته بعد وفاته راجع قضاة 8 : 33 – 35
33وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنَوْا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ، وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيـــــثَ إِلهًا. 34وَلَمْ يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ إِلهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ. 35وَلَمْ يَعْــــــــمَلُوا مَعْرُوفًا مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ، ِجِدْعُونَ، نَظِيرَ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ
مما دعا إبنه"أبيمالك"أن ينهض لكى يستعيد الحكم لنفسه ، بعدما قام بقتل جميع إخوته حتى يضمن عدم وجود مناوىء لحكمه ، بعدما لجأ إلى أخواله الذين أمدوه بالمال لتنفيذ مكيدته بإخــــــــوته غير الأشقاء أبناء أبيه من زوجات أخريات راجع قضاة 9 : 3-6
4وَأَعْطَوْهُ سَبْعِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ مِنْ بَيْتِ بَعْلِ بَرِيثَ، فَاسْتَأْجَرَ بِهَا أَبِيمَالِكُ رِجَالاً بَطَّالِينَ طَائِشِينَ، فَسَــعَوْا وَرَاءَهُ. 5ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ بَنِي يَرُبَّعْلَ، سَبْعِينَ رَجُلاً، عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ. وَبَقِيَ يُوثَامُ بْنُ يَرُبَّعْلَ الأَصْغَرُ لأَنَّهُ اخْتَبَأَ. 6فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ أَهْلِ شَكِيمَ وَكُلُّ سُكَّانِ الْقَلْعَةِ وَذَهَبُوا وَجَعــــــــــَلُوا أَبِيمَالِكَ مَلِكًا عِنْدَ بَلُّوطَةِ النَّصَبِ الَّذِي فِي شَكِيمَ.
فإضطروا أن يسلموا قيادتهم له ولكن بالرغم من ذلك لم يَسْلَمْ"أبيمالك بن يربعل"من المكائد التى كانت تُحاك ضده طوال الثلاث سنوات التى تولى فيها مقاليد الحكم ولكن بعد قتله وبذلك لم يصــــــبح  هناك وريث ليربعل.
 ثم تولى"تولع بن دودو"وقضى لإسرائيل 23 سنة كما تولى من بعده"يائير الجلـعادى"لمدة 22 سنة للقضاء لبنى إسرائيل.
 ثم عاد بنو إسرائيل لحالة الفوضى والتسيب فى أعرافهم السياسية والإجتماعية والدينــــــــــية فكان وقوعهم فى مكائد العمونيين التى خلصهم منها" يفتاح الجلعادى" .
ثم وقعوا فريسة للفلسطينين وخلصهم منهم" شمشون"وظلوا مستقرين عشـرين عامآ ، حـــــيث سادت بعدها الفوضى حتى عصر" صموئيل النبى" .
لقد كانت هناك العديد من المكائد التى كانت تُدَبر لهم من العمونيين والموآبيين – وهم من أقاربهــــم – بالإضـافة لهجمات البدو عليهم من آن إلى آخر ، ولم ينقذهم من ذلك من فترة إلى أخرى – كما رأينا – إلا بـعض المُلهَمين الذين كان الرب يرسلهم لهم من آن إلى آخر لينقذهم من براثن أعدائهم،الذين كان خطـــرهم على الأمة الإسرائيلية ليس فى مجرد فرض السلطة السياسية أو العسكرية ، أو حـــتى تلك الفـترات التى كان نفوذ هؤلاء الأعداء يصل لدرجة الإستعباد الكامل لهم ، ولــكن الخطر الحقيقى كان يكــمن فى مدى تأثيرهم أيديولــوجيآ وثقــافيآ وديــنيآ على هذا الشعب مما يبعدهم عن الولاء بالعبادة للإله"يهوه".
وكان أشد هؤلاء خطرآ عليهم :- الفلسطينيون من بنى فلشتيم(وليس فلسطينيوا اليوم)فلــــــــقد كانوا كما عرفنا فى الجزء الأول أولاد عمومة للمصريين،وكانوا قد نزحوا منذ زمان طويل مضى قبل زمان وجود الجد الأكبر لبنى إسرائيل"إبراهيم"فى أرض كنعان،من جزيرة "كفتور"أى كريت الموجــــودة فى البحر الكبير بالإضافة لبقيتهم التى كانت تقيم عند بحر إيجه ، وهؤلاء كانوا يتمركزون فى خـمس مدن هى أشدود – أشقلون(عسقلان) – عقرون – غزة – جت وكان لكل مدينة من تلك المدن الخمس ملكآ يحكم بسيادة كاملة على مدينته،رغم كونه مرتبط أيديولوجــيآ وكونفيدراليآ مع سائر المـلوك من الفلسطينيين،وتزوج الفلسطينيون من الكنعانيين وعبدوا آلهتهم وتحدثوا بلغتهم،لكنهم بالرغــــــم من ذلك ظلوا متميزين كمجتمعات لها إستقلاليتها السياسية،ونشاطها الإقتصادى المميز،وعادتـــــــــــــهم المستقلة التى نشأ عليها أسلافهم فى مواطنهم عبر البحار ، وهذه العادات والمعتقدات ، بل والتــــقدم التقنى فى صناعة التعدين كانت كلها قريبة الشبه مع تلك التى كان يعتقد فيها ويمارســـــــــــها أبناء عمومتهم من المصريين  .
ليس ذلك فقط بل توالت محاولات الفلسطينيين عبر عدة مرات أن يتمدد سلطانهم بالتوسع والــــتوغل شرقآ ، وكان من ضمن المناطق التى طمحوا فى الإستيلاء عليها ، تلك الأراضــــــــى التى إحتلها بنو إسرائيل ومن هنا كان لا بد من حدوث الصدام معهم صدامآ حضاريآ وأيديولوجيآ وعســكريآ فى نفس الوقت .

أما بنو إسرائيل فلم يكونوا على مستوى من الكفاءة الحربية التى كان عليها الفلسطينيون،فــــــقد حفظ الفلسطينيون سر صناعة المعادن،وخاصة الحديد الذى كانوا يستخدمونه فى صــــــــناعة الالات الحربية والزراعية ، وكان إحتفاظهم بهذا السر يشبه إحتفاظ القوى الكبرى اليوم بالطاقة الذرية،فــلم يكن بنو إسرائيل قادرون على صناعة أو إستخدام أدواتهم الزراعية المصنوعة منه دون الإستــــعانة بالفلسطينيين،الذين كانوا يمنحونهم هذه المساعدة وفقآ لــــشروط قاســــــية لا يتمكن من خلالها بنو إسرائيل من التعرف على سر صناعتها ( راجع صموئيل الأول 13 : 19 – 22 )
19وَلَمْ يُوجَدْ صَانِعٌ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَالُوا: «لِئَلاَّ يَعْمَلَ الْعِبْرَانِيُّونَ سَــــــــيْفًا أَوْ رُمْحًا». 20بَلْ كَانَ يَنْزِلُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيُحَدِّدَ كُلُّ وَاحِدٍ سِكَّتَهُ وَمِنْجَلَهُ وَفَأْسَهُ وَمِـــــعْوَلَهُ 21عِنْدَمَا كَلَّتْ حُدُودُ السِّكَكِ وَالْمَنَاجِلِ وَالْمُثَلَّثَاتِ الأَسْنَانِ وَالْفُؤُوسِ وَلِتَرْوِيسِ الْمَنَاسِيسِ. 22وَكَانَ فِــي يَوْمِ الْحَرْبِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَيْفٌ وَلاَ رُمْحٌ بِيَدِ جَمِيعِ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَ شَاوُلَ وَمَعَ يُونَاثَانَ. عَلَى أَنَّهُ وُجـــِدَ مَعَ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ابْنِهِ.
وبذلك كانت هناك إستحالة لحدوث مواجهة مسلحة بين الطرفين بدون فوز الفلسطينيين وتفوقــــــهم على الإسرائيليين .
وبذلك فرض الفلسطينيون سلطانهم على وادى يزرعيل،كما فرضوه على الأردن ، وكان وجودهـم فى هذا الوادى لا يشَّكِلُ خطرآ على وجود بنى إسرائيل فقد كان بنى إسرائيل بالنسبة لهم بمثابة سوقــــــآ رائجة لممارسة الفلسطينيين لسلطتهم الإقتصادية عليهم بسبب توافر سر هذه الصــــــــــــناعة لديهم وإحتفاظهم فى الوقت ذاته بهذا السر،وفى نفس الوقت كانت خيمة الإجتماع فى"شيلوه"التابـــــــــعة لأفرايم،وكان تابوت العهد يخدمه الكهنة المتناسلين عـن هارون شقيق موسى،وفق النظام الذى سبق أن أرساه موسى ، ولكنه كان يتعرض من آن إلى آخــر إلى شىء من الإهمال،لكن مع ذلك ظل هـــــذا التـقليد ساريآ دون المساس بجوهره(على الأقل فى منـــطقة خيمة الإجتماع) .
ولقد حاول بنو إسرائيل القيام بعدة حركات ثورية كان هدفها مناوءة الفلسطينيين،وكان نتيجة كل تلك المحاولات الفشل،حتى تمكن الفلسطينيون من الإستيلاء على تابوت العهد ذاته وتدمير الــــمَقْدِسِ فى مكانه فى"شيلوه"،وكان ذلك حوالى عام 1050 ق . م،وبذلك إختفى رمز توحد الأسباط معآ، وحدث ذلك فى أيام"عالى الكاهن" فى فترة صبوة "صموئيل النبى" ، وصــــــارت هذه الحالة توحـى بقرب النهاية الأيديولوجية لبنى إسرائيل بوصفهم أمة لها عبادتها الخاصة المرتبطة بنـــــموذج أيديولوجى متكامل .
وعند ظهور"صموئيل النبى"الفتى الذى عاش فى شيلوه وسط الكهنة،برزت شخصيته وطـــغت على مسرح الأحداث،فصار يمثل بالنسبة لشعب بنى إسرائيل شخصية موسى النبى،فمنحوه ثقتهم وولائهم ،وصار يمثل بالنسبة لهم كاهنآ(مع أنه لم يكن من سبط الكهنة بل كان نذيرآ من سبــــط آخر) وقاضيآ ونبيآ لهذه الأمة،ولا يوجد فى تاريخ شعب بنى إسرائيل شخصية برزت بهذا القدر مثل شخـــــــصيته، رغم كونه فى الأصل آخر القضاة الذين حكموا لبنى إسرائيل وهو يُمَّثِلُ نهاية العصر الموســــــــــوى المتمثل فى القضاة وشيوخ الأمة،وبدأ فى عهده فترة الملوك،كما بدأ من خلاله عصر الأنبياء الجـــدد أو بنى الأنبياء أو مدرسة الأنبياء ، وفى أيامه تمت إعــادة تابوت العهد من يد الفلسطينيين ، وعادت العبادة كما كانت،وصار بنو إسرائيل قادرين بعد عدة مواجــــهات، وبإستخدام إسلوب وتكتيك حروب العصابات أكثر من إستخدام الحروب التى فيها مواجهة مسلحة، وصاروا يبارون وينافســــــــون أمة الفلسطينيين عسكريآ .
ولكن عند شيخوخة صموئيل برزت الحاجة لإيجاد خليفة له،ولم يكن هناك من يمكنه شغل مكــــانه أو مكانته،فحتى أبناءه لم يوجد فيهم من يصلح للقيام بهذه المهمة،فإختار للشعب وتحت ضغـــــــــط منه  شاول بن قيس من سبط بنيامين (راجع صموئيل الأول 8 : 1 – 7 )
 1وَكَانَ لَمَّا شَاخَ صَمُوئِيلُ أَنَّهُ جَعَلَ بَنِيهِ قُضَاةً لإِسْرَائِيلَ. 2وَكَانَ اسْمُ ابْنِهِ الْبِكْرِ يُوئِيلَ، وَاسْمُ ثَانِيهِ أَبِيَّا. كَانَا قَاضِيَيْنِ فِي بِئْرِ سَبْعٍ. 3وَلَمْ يَسْلُكِ ابْنَاهُ فِي طَرِيقِهِ، بَلْ مَالاَ وَرَاءَ الْمَكْسَبِ، وَأَخَذَا رَشْوَةً وَعَوَّجَــــا الْقَضَاءَ. 4فَاجْتَمَعَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى صَمُوئِيلَ إِلَى الرَّامَةِ 5وَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أَنْتَ قَــــــــدْ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ. فَالآنَ اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشُّعُوبِ». 6فَسَاءَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْ صَمُوئِيلَ إِذْ قَالُوا: «أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا». وَصَلَّى صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّبِّ. 7فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْــــــلِكَ عَلَيْهِمْ.
ولا تُعتبر فترة مُلك شاول بن قيس من بين الفترات التى نتحدث فيها عن مملكة إسرائيل ، حــيث أنها كانت فترة منسوبة للقضاه ، فلقد مارس سلطته كلها تحت كنف صموئيل وكان سلطان صموئـــيل هو النافذ أمام الكافة ، حتى أمر الله صموئيل لإختيار ملك آخر كان هو الملك داود الذى صارت الممــــلكة فى عهده وعهد ابنه سليمان فى أقصى مجدها وتوسعها الذى نالته كمملكة قبل الميلاد .
ولقد بدأ شاول مُلكِهِ بداية جيدة بإخضاع العمونيين ، كما إنتصر على الفلسطينيين،وكان ذلك بفــــضل داود الذى ظل ملكآ فى الظل حتى وفاة شاول،أما شاول الذى كان خاضعآ من الناحية الدينية لــســلطة صموئيل فقد حاول أن يتمرد على هذه السلطة،وبذلك تمت إقالته،وصار ملكآ صوريآ يحيط به نفرٌ من أتباعه حتى لقى حتفه أثناء أحد حروبه مع الفلسطينيين على جبل جلبوغ.
لقد كانت هناك محاولات مضنية للربط بين الأسباط التى كانت تسكن فى الشمال مع الأســــــــباط التى كانت تسكن فى الوسط،ولقد تمكن شاول فى فترة قوته من تحرير المناطق الوسطى وأمضى شـــــاول فى ملكة فترة حوالى 40 عامآ كان أغلبها ملكآ منزوع الصلاحية من الناحية الدينية من عام 1045 – 1010 ق . م .
ومن ذلك الوقت فصاعدآ صار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو صراع على الوجود نفــسه وليس مجرد صراع أيديولوجى أو سياسى وكان ذلك إبتداءٌ من حوالى عام 1010 ق . م تقريــــــــبآ وكانت الغلبة فيه فى النهاية لبنى إسرائيل .
----------
*5 DUJ,pp259-263;AHL,pp197-198,209-211
Palastinajahrbuch,XXX,1934,p67


بداية إسرائيل كأُمَّة خيمة الإجتماع فى عصر موسى وسكنى الأسباط حولها




                             



لقد كانت بداية جذور هذه الأمة من خلال سام بن نوح (الجد الأول لجنس الساميين) ، وكان حـــــفيده "عابر"هو الجد المشترك للعرب من خلال إبنه"يقطان"، وأما بنو إسرائيل من خلال إبنه"فالـــــج" وهـو جد بنى إسرائيل والأموريين الذين كانوا يقيمون وسط الكنعانيين من سكان فلسطين بصــــــورة طبـــيعية ، ولكن بالرغم من إقامة إبراهيم وإسحق إبنه من بعده فى هذه الأرض إلا أن تسميتهم كأمة "بنى إسرائيل" كانت متأخرة عن هذا التاريخ .
 فقد إبتدأت كبداية بصفتها إسمَ علمٍ لـــ "يعــقوب بن إسحق"ولا سيما بعد عودته من عند خاله لابان الذى كان يقيم فى آرام النهرين شمال بلاد الرافدين ، حيث عاد بأبنائه وزوجاته الأربع "ليئة وراحيل والجاريتين"، وكان لديه قطعان من الماشية والأغنام فكان حلوله بمثابة إقامة لجنس مســـــــــتقل له خصوصياته وتميزه .
ولقد كان تسجيل"مرنبتاح"الفرعون المصرى حوالى عام 1224 – 1215 ق.م (أو بحسب مدارس تاريخية أخرى ) حوالى 1238 – 1229 ق.م  لإسم بنى إسرائيل مفيدآ فى إثبات وجـــود هذا الكيان الإجتماعى المُمَيز ، فهذا التعبير يفيد بأنه قد وُلِدَت هذه الأمة من قبله،فهــناك منهم من يشير إلى هذا التسجيل لكى ينسـب حادثة الخروج لمرنبتاح أو والده"رمسيس الثانى"،وفات عليهم أن"مرنبتــاح" لم يقطع بقوله هذا ما إذا كان قد حدث الخروج الفعلى كما نعرفه فى سفر الخروج،أم لا!! ، بالإضافة لأن هذا التاريخ يـُعتـَبـَرُ حديثآ جدآ لا يتناسب مع تاريخ الأحداث التى صاحـبت عملية الخروج وكذلك يتناقض مع الوقائع التى سبقت عملية الخروج ذاتها .
فالأثريـون يكشفون عن بدايات أقدم لتسمية بنى إسرائيل كأمة تعود لعصر الأسرة الثــــــــــامنة عشر التى بدأت بأحمس الــذى طرد الهكسوس حوالى عام1571 ق. م فكانت الأسرة الثامنة عشر مــــــنذ حوالى عام1550 – 1307 ق.م قبل أسرة الرعامسة(التاســــــــعة عـشر)،فقد كان الفراعنة فى أيام ما بعد الهكسوس لا يسمحون بذوى الأصول الأسيوية من الإنخراط فى الجندية، بل كانوا يُسَّخِـرونهم فى العمل الشاق .
 لكن هذه المقومات التى جَمَّعَت فيها هذه الأمة كان أهمها على وجه الإطلاق هو ما تعرضــــت له فى أرض مصر أيام الهكسوس،من قبل،الذين كانوا يرحبون بوجودهم كأقرباء ليوسف،الذى وفد عـــــلى فرعون هكسوسى،كان يُحِب إستخدام الأسيويين أمثاله،وما حدث بعده من ممارسات ضــدهم كــتوابع لعملية طرد الهكسوس،تلك المقومات ساعدت على إنشاء هذا الكيان المتميز رغم كونه لم يكن كــيان ذو شكل دينى متميز عن سواه فى أرض مصر،بل بدأ إضافة هذا العنصر لديه من عناصـــــر مقومات هذه الأمة،أثناء الضربات التى مُنىَ بها المصريون على يد موسى،فبدأ بنو إســرائيل فى التعرف على الإله الخاص بأمتهم .
وبالرغم من وجود أكثر من ثلاث نظريات بخصوص خط سير هذه الأمة عند خروجها من مصر،لكنها فى النهاية تتفق جميعها حول عبور ما كان يسمى"بحر سوف"سواء كان هو البحر الأحمر كـــــــــما نعرفه عند خليج السويس أو ملحقاته التى نسميها اليوم"البحيرات المُرة"،ثم توجهوا بعد ذلك صوب المشرق عَبْرَ سيناء أو"برية سين"،تحت لواء موسى الذى أعلن لهم عن الإله"يهوه"الذى أنقذهـــم من عبودية المصريين لهم،ليكونوا شعبآ خاصآ له،ينتمون بالولاء له،ويحفظون وصاياه التى تــــــبدأ بالوصايا العشر وهى تحثهم على عبادته وحده دون سواه،وبدون السعى لعمل أى صـــــورة أو تمثال له،وأن يتـعاملوا مع إسمه بإحــترام كامل،ويحافـظوا على عــبادته،والتـفرغ لذلك يوم الســبت من كل إسبوع،ويكون إحترامهم ليهوة بالفــكر،والــقول،والــعمل،والسـلوك بموجب هذا العهد المقدس بينهم وبينه،وأن عليهم أن يتحلــــوا ببعض من الصـفات المأخـــــوذة عنه بوصفه إلههم فى بــره وقداسـتة ورحمته وعدالته طوال أيام حياتهم .
هذا النوع من العلاقة بين الله وهذه الأمة هو ما يُطلِقُ عليه العلماء إسم"التوحـيد"
Monotheism بعكس تلك العبادات التى كانت تمارسها كل الأمم المحيطة بهم وهى تقوم على"التعددية"بتعدد الآلهة
Poilytheism   فقد كانت تمـارس عبادة آلـهة الـطب وقت المـرض،وإله المـطر وقـت الـرغــبة فى إستنزاله،بمعنى أن الفرد الواحد كان يلجأ لأكثر من آلهة وفقآ للظروف المخـــــــتلفة التى يتعرض لها طيلة حياته،أما فى التوحيد فإن كل الظروف وكل الأحوال لا تُغَير إنتماء الفرد لله الذى يجــتمع فيه كل الأغراض والأهداف التى لأجلها يلجأ البشر للعبادة والتوحيد يــمنعهم من اللجوء لإله آخر مهما كانت الظروف التى يتعرضون لها،وقد كان المصريون لديهم هذه الفكرة فى عصر"إخناتـــــــــــــــــون"أى "أمينوفيس الرابع" 1390 – 1353 ق . م ولكن كهنة الإله الآخر الذى أهمله تمكنوا من هزيمـــته ليختفى "أخناتون" فى ظروف غامضة .
ولأجل الوصول إلى تلك الغاية- أى التوحيد وحرية ممارسة العبادة من خلال ذلك المبدأ –كان موسى يقوم بمختلف الأدوار أمام جمــــاعته،فقد كان يمــــارس الكهنوت قبل إسناده لبنى هارون هذا الدور ،وقبل تنظيم"الكهنوت الهارونى"بما لهذا الكهنوت من لوائح تنظيمية غاية فى الدقة .
 كما كان هو الملك قبل أن تعرف هذه الأمة وجود ملك من بينها يحكمها – فى أيام شـــــاول فيما بعد – لكنه كان ملكآ لهذه الأمة غير متوجآ وغير ملقبآ بلقب ملك .
 كما كان هو قاضى هذه الأمة قبل إسناده هذا الدور للشيوخ فيما بعد .
 بل وكان هو المعلم لهذه الأمة الذى يلقنها المبادىء الأساسية للحـــقوق والواجــبات تجاه الله وتجاه بعضهم البعض أو تجاه الجماعة ككيان عام .
وقد تولى موسى دوره فى قيادتهم عبر الصحراء حتى الأردن،حيث توفى هناك فى"عربات مـــوآب" أى بادية موآب،بعدما قام بتربية جــيلٍ كــاملٍ من الـقادة،الذين تعلــموا منه منذ نعومة أظافرهــم حتى وصلوا إلى سن الشباب عبر 40 عامآ،وهم الذين حملوا لواء دعوته من بعده .
وبذلك كان الشعب بعد وفاة موسى قد إنصهروا فى بوتقة واحدة،وصاروا يُشَّــكِلون جماعــــة متميزة يربطها وحدة الأصل  حيث أنهم نسل الأسباط الإثنى عشر،والمُعتَقَد حيث أنهم ينتـمون للعهد المـقدس فى الولاء والإنتماء فى العبادة ليهوه وكان تابوت العهد هو"رمز توحد هذه الأمة"وكان تابوت العهد فى خيمة الإجتماع،وكانت خيمة الإجتماع فى وسط تلك الجماعة،ثم يُرفع ويتم حمله عــند رحيلهم من مكان لآخر ليُعاد نصب الخيمة حيث يستقر التابوت فيها ويُحيط بها الأسباط فهى تُقَامُ فى "وســـــــط الجماعة" .
ومع أن وحدة الأصل والإنتماء كانت هى القاعدة الأساسية لتكوين هذه الأمة،إلا أننا نجد بعــض ذوى الأصول الأخرى الغير يعقوبية( نسبة ليعقوب جدهم)أو الغير الإسرائـــيلية قد ذابوا فى وسط الجماعة وصاروا من ضمن هذا الشعب،ومن بين هؤلاء كان القينيون،وهم أنسباء موسى من المديانيـــــــــن، والقنزيون وهم من نسل أدوم ، واليرحميليين الذين إنضموا لسبط يهوذا،وهم فى الأصــــــــل كما هو مُرَجَح من العماليق الفلسطينيون .
واستقرت هذه الأمة كمجتمع زراعى مستقر فى أرض كنعان حيث صارت العبادة ليهوه خالصة،هـــذه العبادة التى منعتهم من الإختلاط بالكنعانيون والأمم الأخرى للذوبان فيهم،وعبادة آلهتــهم كما صـــار الحال بالقينيون واليرحميليون الذين ذابوا وسط بنى إسرائيل ودخلوا معهم العهد المقدس،وكـــان هذا العهد يمنعهم من التقرب لآلهة الأمم الأخرى .
وتمثل منطقة"قادش برنيع"المرحلة الأولى لتكوين هذه الأمة بمعناها الدينى(راجع الخريـــــــطة هذه الصفحه صفحة 7)، ففى البداية كان هناك الموقع الذى لا يُنسى حيث أخرج لهم الله ماء فى البريـــــة القاحلة من الصخرة فشربوا وإرتووا .
 وفى هذا المكان كذلك ماتت مريم أخت موسى وهــرون،وفى هذا المكان كذلك أرسلوا ليســتأذنوا من ملك آدوم للعبور فى أرضه .
وهناك كذلك أرسلوا جواسيسآ لأرض كنعان لكى يستطلعوها .
 وبالرغم من رد ملك آدوم الجاف عليهم .
 وعودة الجواسيس الذين حملوا إليهم أخبارآ ثبطت همتهم،تفيد تفوق سكان الأرض وحـــــملوا معهم عنقودآ ضخمآ من العنب،إلا أن هذا المكان كان هو نقطة الإرتكاز لتهيئتهم لدخول الأرض فيما بعد .
واسم المكان"قادش برنيع"يدل على وجود مذبح أو مكـان مــقدس فى هذه البقعة كان سببآ لتسميتها بهذا الإسم قادش(أو مقادس)،وهى فى المنطقة التى تسمى اليوم عين مشفاط
*4 راجع الخريطــــــــة 


--


لقد كان توجههم فى البداية صوب الشمال بداية من الجهة الشرقية للبحر الميت ونهر الأردن،حــــيث خاضوا العديد من الصراعات مع الأدوميين والعمونيين والموآبيين ولا سيما ملوك بنى عــــــــــــمون "سيحون" و"عوج"،ثم كان صراعهم مع المديانيين والأموريين . راجع الخريطة  صفحة 7 .
وبالتالى كان إستقرار بعض الأسباط من الجماعة مجموعهم نحو سبطين ونصف فى تلك الـــــــــجهة الشرقية وهم سبطا"جاد ورأوبين"بالإضافة لنصف سبط"منسى"،وأقاموا فى الأرض التى إمتلـكوها مجتمعات زراعية مستقرة ، قبل عبور بنى إسرائيل الباقين إلى غرب نهر الأردن بواسطة" يشــوع" ليتملك باقى الأسباط أراضى من الكنعانيين لتقسيمها على باقى الأسباط .(راجع الخريطة صفحة 2)
ولكن من المُلاحَظ أنهم توجهوا إلى أرض كنعان بسلوك طريق غير منطقى وغير تقليدى فقد فضَّــلوا الدخول إلى هناك عبر ما كان يسمى بإسم الطريق الملكى ( أى ما يقابل الأوتوســــتراد الدولى حاليآ) الذى يمر على أرض أدوم صوب الشمال بمحاذاة نهر الأردن من الجهة الشرقية ، وقد كان مُخَصَصآ لعبور قوافل التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام .
  بينما كان من المفروض أن يدخلوا لفلسطين من الشمال على ساحل البحر الكبير ( المتوسط اليوم)  بمحاذاة البحر وهو الطريق الطبيعى الذى يسلكه المسافر القادم من مصر لبلاد الشام .
 ومن الظاهر أن السبب كان لتجنب الصراع مع الفلسطينيون العمالقة المقيمين فى تلك المناطق وقــد كان شعب بنى إسرائيل فى مرحلة مبكرة جدآ من تكوينه غير مؤهل لهذه المجابهة الحربية.
وقد يكون بسبب آخر مثل: ملاحظتهم لوجود نشاط عسكرى مصرى مكثف فى ذلك الوقت، حيث كان من المحتم أن يستخدم الفراعنة هذه المنطقة لعبور تحتمس الثالث نحو مجدو شمال فلسطين،وهــذه هى النظرية التى أتبناها بخصوص زمان خروج بنى إسرائيل من أرض مصر، لأنهم خرجـــــوا أيام "تحتمس الثانى" ( راجع الجزء الثانى صفحة 4 -   10
) وهذا هو السبب الذى أميل له .

-------The holy Land , Antiquity and Survival , II 2/3 pp 289 -293 *4

مقدمة الجزء الثالث الأمة الإسرائيلية ونشأة كيانها فى العهد القديم وإنقسامها وسبيها وما بعد السبى حتى عام 70 ميلادية





أماكن سكنى أسباط بنى إسرائيل فى وقت نشأة تكوين كيانهم فى زمن يشوع وتلاحظ إختلاف المساحات المخصصة لكل سبط وهو دليل على إقامة أمم أخرى فى وسطهم داخل نصيب كل سبط على حدة مما أثَّر على عملية تقسيم أنصبتهم فى الأرض

فى الجزء الأول من هذا الكتاب ناقشنا تواجد مختلف الأمم المنحدرون من مختلف الأصــول فى أرض فلسطين ، فى جوار لم يخلُ من مناوشات بينهم وبين بعضهم البعض ، حيث لم تكن مفاهـــــيم الدولة الحديثة معروفة أو مُتَّبعة فى هذه المنطقة الواقعة بين مصر وبلاد الرافدين ، فعلى عكـس الحال الذى كان فى مصر أو فى بلاد الرافـــدين ، كان فى تلك المنطقة ، لكل قبيلة بئــــرها ومجتمعها الذى يسكن حول هذا البـــــئر ، وكانت هذه المجموعة الصغيرة حول بئرها عبارة عن جــزء من عدة قبائل تنتمى لنفس الجنس ، ولكنهم كانوا ينتشرون فى مختلف بقاع الأرض فى فلسطين ويعيش فى وسطهم قبائل منتشرة أخرى تنتمى للأجناس الأخرى بحيث يمكن تسمية أرض فلسطين بأسماء متعددة مثل :
 أرض اليبوسيين أو أرض الجرجاشيين أو أرض الحيثيين أو أرض الكنعانيين أو الإبراهيميين ...ألخ ألخ(على قدر تنوع وتعدد وجود مختلف الأجناس فى هذه الأرض).
ولم نتطرق فى حديثنا لبنى إسرائيل ككيان إلا فى ظل وجود هذه الكيانات مجتـــــــــمعة معآ ، وهذا ما تعرضنا له فى الجزء الثانى عند حديثنا عن الأمم التى توافدات لتتعامل مع هذه الــــــــتشكيلة العِرقية سواء من خلال التعامل التجارى أو محاولة بسط الهيمنة السياسية أو الســـــــــــيطرة العسكرية على المنطقة لخدمة أهداف إقتصادية أو سياسية أو عسكرية ، وكنا نتحدث عن بنو إسرائيل بوصـــــــفهم جزء من هذا الكيان المتعامل مع هذه الكيانات الوافدة .
وفى هذا الجزء نتحدث عن بنى إسرائيل ككيان خاص ، كانت له تجاربه وممارساته الســـــياسية التى حاولت أن تجد لهذا الكيان وجودآ مؤثرآ بين الأمم المحيطة بهم حتى تلاشى هذا الكيان شيــــئآ فشيئآ بعد حادثة خراب الهيكل وأورشليم عام 70 ميلادية ، وكيف كان هذا التلاشى له جذوره العـميقة التى تعود لطبيعة تكوين هذا الكيان وممارساته طوال القرون الطـويلة التى إنقضت عليه فى الوجــــــــــود بأرض فلسطين.
لقد كانت أقدم تسمية لهذه الأمة قد وردت بواسطة الله وقت حادثة حديثه مع يعقوب  فى سفر التكوين أصحاح 32:28 حيث قال "
فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهــَــدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».، ولقد كان ذلك عقب صراع يعقوب مع الإنسان الذى صارعه حتى طلـوع الفجر ودعا يعقوب إسم المكان فنوئيل ( ومعناها فى لغته "رأيت الله" ) وبذلك كان يعقوب يَـــــــــعتبِرُ ذلـك الإنسان الذى صارعه هو الله وهو أحد تجليات المسيح قبل تجسده فى العهد القديم .
والإسم ישראל أى يسرائيل أو يشرائيل ( أهل الجنوب يفضلون نطقه بالشين
*1
) هو إسم مُشتَـــــق من الأصل שרה وتعنى "صَرَعَ"فى اللغة العربية.
وإذا عُدتَ للمعجم العبرانى تجد هذا الإسم المُرَّكَب 
ישראל يعنى فى معناه الأول تأمـــــــــيرالله أى :- To make ael a prince *2 وفى المعنى الثانى مصارع الله أى :- The wrestler of God
ولأن الله هو الذى ينطق هذا الإسم ، لكى يطلقه على إنسان ، فإن تأمير الله يكون معنى بعيد جدآ عن إطـلاقه على الإنسان ( لأن يعقوب إنسانآ وليس هو الله لكى تتم عملية تتويجه أميرآ" من واقع معنى الكلمة حرفيآ فى مرادفها الأول" )ويكون بذلك المعنى الثانى هو الأقرب للتعبير عن المدلول الحقيقى للتسمية ، فلقد صـارع الله ، فهو إذآ"مصارع الله" ولا سيما بأنه أتبع حديثه تعقيبآ على هذه التسمية بقوله " لأَنَّكَ جَاهــَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ ".
أما الأصل שרה "سَارَه" أشتقت منه كلمة "سارية" فى العربية القديمة وظلت هى التسمية للـــــعَلَم أو الراية التى ترفعها الجيوش فى حروبها كما إنتقل معنى كلمة "سارية" فى اللغة العربيــــة تمامآ ، ومن نفس هذا الأصل كان الإسم القديم – وليس الحديث- لزوجة إبراهيم " ساراى".
بيد أن أقدم ذِكرٍ لهذه التسمية بعيدآ عن العهد القديم هى فى الإسم الذى ذكره "مِرنبتاح" الفرعــــون المصرى ، الذى كان إبنآ لرمسيس الثانى ، عندما كتب التعبير" لقد تم جلاء بنى إسرائيل ولم يتركـوا وراءهم نسلآ"
*3
وثانى أقدم ذِكرٍ لهذا الإسم هو فى مخطوطات عن"شلمناصر الثالث"الملك الأشورى حيث يذكر إســم ملك بإعتباره أحد ملوك بنى إسرائيل وهو"آخاب"بقوله"آخاب الإسرائيلى"وهو وارد فى نفـــــــــس المرجع السابق ولكن فى صفحة 47 أى قبل حديثه عن كلمات مرنبتاح .
ولقد ذكر ميشا أو ميشع ملك موآب على"الحجر الموآبى البازلتى"تخليدآ لإنتصاره فى أحد حروبــــه مع آخاب ( راجع صفحة 50 من الجزء الأول عن حجر موآب هذا وأمة الموآبيين) .
والآن نأتى إلى الحديث عن هذا الكيان فى الصفحات التالية فى هذا الكتاب الثالث أو الجزء الثالث عن فلسطين القديمة والأمم .
------------
*1 إعتاد بنو إسرائيل على الإختلاف فى نطق الحرف"س" أو "ش"فالشماليون يفضلون"س"بينــــــما يفضل أهل الجنوب نطق نفس الحرف"ش"وهذا وارد ذكره فى سفر القضاة 12 : 5، 6 "
5فَأَخَذَ الْجِلْعَادِيُّونَ مَخَاوِضَ الأُرْدُنِّ لأَفْرَايِمَ. وَكَانَ إِذْ قَالَ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ: «دَعُونِي أَعْبُرْ». كَانَ رِجَالُ جِلْعَادَ يَقُولُونَ لَهُ: «أَأَنْتَ أَفْرَايِمِيٌّ؟» فَإِنْ قَالَ: «لاَ» 6كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: «قُلْ إِذًا: شِبُّولَتْ» فَيَقُولُ: «سِبُّولَتْ» وَلَمْ يَتَحَفَّظْ لِلَّفْظِ بِحَقّ. فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ وَيَذْبَحُونَهُ عَلَى مَخَاوِضِ الأُرْدُنِّ. فَسَقَطَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا
"
*2 يرى
B.Davidson  فى قاموسه أن هذا الإسم يمكن ترجمته " أميرآ مع الله A prince with God "
*3
Document from old testament Times , 1958 p 139